الأحد، 26 مايو 2013

اللحظة التي تقود إلى الإلحاد

::
قدم لي أحد الأخوة المسلمين الليلة الماضية، وبعد بضعة ساعات فقط من كتابتي للموضوع السابق (توجد علاقة بين هذا البوست والبوست السابق سترونها لاحقاً)، كوب صغير من ماء زمزم لأتذوقه. فرفضت وقلت له أن هذا الماء ملوث بالبكتيريا والنايترايت والزرنيخ السام المسرطن، وأحضرت له هذا التقرير (الذي كتبت حوله مقالة سابقة هـنـا) ليشاهده بنفسه.
 
لم أندهش عندما رفض رفضاً قاطعاً وفوري في قبول التقرير، بل جلست متكئاً على ذراع الكنبة أحتسي الشاي وأستمتع مبتسماً صامتاً بمشاهدة أدائه البهلواني السيركسي في القفز والنط والتشقلب والدوران بين التبرير والتكذيب والتعزية للكراهية الإستعمارية والصهيونية والماسونية للإسلام والمسلمين ومحاولات هؤلاء الأعداء في حبك المؤامرات ضدهم.
 
لم يتوقف برهة واحدة ليتفكر في احتمال صدق التقرير، أو حتى لتكذيبه من منطلق فكري منطقي. فلم يسمح لعقله، ولو لبرهة قصيرة، بتقييم الأدلة المخبرية المقدمة في البرنامج وما إذا كانت تشير فعلاً إلى تلوث هذه المياه المقدسة وخطورتها على الصحة، بل حجر على عقله ومنعه من التفكير فوراً قبل أن تتسرب إليه أي رغبة في المعاينة أو التمحيص. لأنه لو سمح لعقله بالتفكير الجاد الصادق، لكان من الصعوبة البالغة عليه رفض هذا الإستكشاف، ولكان عليه أن يواجه إحتمال خطأ أحد أهم الأعمدة الدينية التي ترفع هذا الماء إلى مرتبة التقديس في صفائه وفوائده للإنسان، الأحاديث النبوية:
 
عن ابن عباس، قال رسول الله: ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تشتفي به شفاك الله، وإن شربته لقطع ضمئك قطعه الله، وهي هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل.
 
فلكي يحتفظ أخونا هذا بصنم عقيدته سالماً ويبعد عنه مطرقة الشك، لجأ إلى أسهل وأقرب مهرب، الإنكار. وهذا مايفعله الغالبية الكبرى من المؤمنين، بصرف النظر عن نوعية العقيدة المزروعة في رؤوسهم.

ولا أعلم ماذا كان يجول بخاطره خلال مشاهدته للتقرير، فهذا قد استغرق عدة دقائق كافية لأن تضيئ في ظلام مخه ومضات من الشك. إنما أعتقد أنه قد شغل في ذهنه سي دي التعوذ والبسملة والإستغفار ليُغطس بها أي همس مناهض قد يطفو على السطح. 
 
ولكن هناك نوع آخر من المؤمنين، نوع يمثل أقلية صغيرة منهم. نوع يقف لوهلة ويفكر ليقيم الدلائل المقدمة له. نوع يطلق المجال لعقله في المعاينة والتقليب والتمحيص. هذه الخاصية الموجودة في هذا النوع من المؤمنين، هي التي تفصل مابين المؤمن الذي يرتد ويلحد، والمؤمن الذي يظل على إيمانه مهما قدمت له من دلائل ضد عقيدته. هو ميول بعض البشر للتفكير. التفكير العميق الجاد الصادق للأمور التي تتحدى قناعاتهم، والرغبة الملحة في اكتساب المعرفة والوصول إلى الحقيقة.
 
واللحظة التي تقود إلى الإلحاد، هي اللحظة التي يتوقف معها المؤمن لوهلة ليفكر في الدلائل التي يواجهها. هذه هي اللحظة التي تفتح أبواب الحقيقة، وكلما طالت تلك الوهلة وتعمقت كلما ارتفع احتمال رفضه لعقيدته مقابل الدليل. إنما المؤمن الذي يهب فوراً للدفاع عن قناعاته بدون منح أي فرصة لعقله في تقليب الأمور، فهذا هو المؤمن الذي سيحتفظ بإيمانه مهما بلغت قوة وكثرة الأدلة المقدمة ضده.
 
 
* * * * * * * * * *
 



هناك 11 تعليقًا:

غير معرف يقول...

مقال بغاية الدقة.

هذه هي بداية كل ملحد أو عقلاني.

أنا كنت من أولائك القلة، وتلك فعلا كانت بداية عقلانيتي الخالصة.

كنت أجد فرصة مع الملحد المتطرف كي أثبت من تطرفه فساد عقيدته وأتطرف تجاهه وانتصر عليه بما أملك من معلومات وتلاعب بالألفاظ.. ولكن عندما كنت أصادف عقلانيين مثلك يا بصيص، أتحول إلى طفل لا يفقه ما يقول، وذلك لأنني كنت صادقا جدا.

مقالك ذكرني ببدايتي مع العقلانية واكتشاف بطلان الاديان.


بدأت هذه النار كلها مع اسئلة صغيرة من هذا النوع:

ماذا لو كان زمزم فعلا مسمم؟
ماذا لو كانت الآية التي تتحدث عن الجنين فعلا دليل على الجهل بتكون الجنين؟
ماذا لو كانت الآية التي تتحدث عن مغرب الشمس في الطين فعلا صحيحة وليس لها تأويل آخر؟
ماذا لو كان محمد فعلا ادعى الوحي؟
ماذا لو كان محمد فعلا بدأ في النجاح وحشد الأتباع بعد الإغارة على القبائل وجمع الثروات؟
ماذا لو كان الإدعاء بمعجزات القرآن كله كذب؟
ماذا لو كان هناك فعلا أخطاء فادحة في القرآن؟

هكذا شخصيا بدأت بالدخول في هذا الطريق.

-----
لوجيكال

غير معرف يقول...

في نهاية الأمر ما تصفه أخي بصيص, يقع لكل إنسان سواءَ كان ملحد أم مؤمن, هل سمعت عن Cognitive dissonance ؟

basees@bloggspot.com يقول...

الأخ/ة الكريم/ة غير معرف/ة ،،

أعرف هذه الحالة النفسية، وأعرف أنها تحدث لكل إنسان في حالات مختلفة. ولكن هذا الموضوع يتناول الفرق في الميول أو القدرة أو الرغبة في تقييم الأمور التي تناقض القناعات.

لا أعرف ماهي نقطة ربط الملحدين مع هذه الحالة النفسية. ربما توضح لنا ما يجول في بالك.

خالص الود.

________________________________

أخي الكريم لوجيكال ،،

شكراً على هذه الإضافة القيمة للموضوع.

مع خالص الود

غير معرف يقول...

قصدي يا أخي الكريم أن حالة الCognitive dissonance التي وقع فيها زميلك المسلم, تقع لجميع البشر من جميع المذاهب الفكرية على حسب ما يعتبرونه مبجل أو معظم عندهم ( قد تكون أفكار عن الإشتراكية أو عن إي مفاهيم أخلاقية مبجلة عند البعض). هناك عالم أسمه Robert Trivers يكتب في مسئلة الSelf-deception التي تقع لجميع البشر.

غير معرف يقول...

السيد (ة) فى كل اطلالة من اطلالاتك نستزيد علما’ و ثقافة’ و انسامية’ . , شكرا’ لك

م - د مدى الحياة يقول...

المصيبة العظمى انه من الصعب ان تجاهر وتخبر اي مؤمن بحقيقة هذا الماء الملوث مهما ملكت من الأدلة حتى الى اعز اقاربك ! وهو الأمر الذي قد يضعك في خانة المكذب والمشكك في عقيدة الأسلام والمسلمين ! ، وهو الأمر الذي قد ينظر اليك من خلاله في انك عدو للأسلام والمسلمين ! ، وكما هي عادة المسلمين فأن الأمر قد ينسب إلى افعال اليهود والكفار ! حتى تتخلى عن دينك وارضك ! وتصبح لقمة سائقة لهم ويتم لهم مايريدوه ! ، وخصوصآ انه لم يبلغ طبعآ عن اي حالة تسمم او المرض من خلال شرب هذا الماء ! وحتى لو سجلت عدة حالات تسمم مرضية فأنه يتم التكتم على الأمر ! وإن التسمم والمرض سوف ينسب إلى اي اسباب اخرى ليس لها علاقة بتلوث الماء ! وربما نسب إلى القضاء والقدر ! او ان هذا ماكتبه له الله ! وحتى لو عرف الضحية ان تسممه بسبب استهلاكه لهذا الماء فأنه سوف يتدارك الأمر بسرعة ! ويتم تشكيكه بالحقيقة التي عرفها ونسبها إلى اي اسباب اخرى او انه لن يصيبه إلا ماكتبه له الله ! او حتى يوعز إلى ضعف الأيمان او انه آخر زمن ! وربما يضع في موقف حرج اكثر وبأنه لو اراد الشفاء والبركة ! فأنه يقرأ عليه المعوذات ! ويسقى بمزيد من ماء الزمزم !! ، وحتى قد يصل الأمر إلى تهديده بأنه سوف يرسل وراء الشمس ! إن تفوه بأي كلمة تسئ من سمعة هذا الماء ! اي ان الأمر في الحقيقة هو ضمان المصالح والرزق لئلا يضيع من ايديهم ! او مثل ماقيل قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق !!!! أي ان العملية هي الأستماته بالدفاع عن هذا السم ! والبحث عن المبررات والذرائع التي لاتنتهي من اجل ان يبعد اي شك في حقيقة هذا السم الزرنيخي القاتل البطئ المسمى بماء الزمزم ! وكيف يخاطر اي مسئول مهما كان وضعه ومركزه وخاصة لو كان في بلاد الرمال ! بحقيقة هذا الماء الملوث وهو الأمر الذي سوف يعرضه للقيل والقال وحتى التكفير والردة عن الأسلام ! جزاء تجرأه وقول الحقيقة ! ، ومن هنا يكشف احد الوجوه القبيحة والتناقض للأسلام بأن الأسلام لاضرر ولا ضرار !!!! ، وهو الأمر يعني انه لا وجود لرب السموات والأرض ولو كان موجودآ لما رضى لعباده ان يشربوا من ماء ملوث ! وفي النهاية فأن الحل مازال موجودآ إلا وهي الأبتعاد عن التعصب الأعمى للأسلام وأهله وخرافاته الغير محدوده ! ، وإذا اردت معرفة الحقيقة فيجب ان تثق بالعلم والعلماء والتقارير من خارج بلاد الرمال ! ولأن كما قيل فأنه يجب ان تتقبل الحقيقة مهما كانت مرة ! لو اردت الحياة بعزة وكرامة .

غير معرف يقول...

المشكلة في الحوار مع المسلم ، اننا ننساق معه في محاولة اثبات عدم وجود إله ، في حين ننسى اثبات عدم صحة الاسلام وهو الطريق المختصر في الحوار

Aborami يقول...

اتعجب من نقل المعلومات من تقرير اعلامي ودون توثيق علمي جتى من دقة طريقة الحصول على الماء.
وتم تناقل المعلومة كما لو كانت حقيقة علمية.
فاين تحكيم العقل هنا
لماذا لا يمرص او يموت ملتيين البشر ممن يشربون هذا الماء
لماذا يرجع الى التقارير العلمية الموثقة مخبريا عن مكونات الماء من مصدرها الفعلي
الامر ببساطة ليس رفض او قبول بقدر ما هو
جاء على هواي فاعجبني فصدقته
ونعم العقل والعقلانية

basees@bloggspot.com يقول...

السيد الكريم أبورامي ،،

مؤسسة البي بي سي أجرت تحقيق للتأكد من صلاحية ماء زمزم للشرب والإستهلاك، فحصلت على عينة منه أجرت عليها تحليل مخبري عـــلـــمـــي. والنتيجة كانت كما نشرتها. فإن كان هناك معارضة لهذه النتيجة فهي مبنية على هذه الأساسات:

1- أن البي بي سي جهة منحازة ضد الإسلام. وهذا هراء.
2- أن الشخص الذي أحضر الماء منحاز والماء الذي أحضره ليس ماء زمزم. وهذا محتمل إنما مستبعد، لأن تحاليل الماء الذي أحضره يماثل تحاليل ماء زمزم المباع سراً في بريطانيا.
3- أن المختبر الذي أجرى التحاليل منحاز أو غير كفؤ. وهذا أيضاً هراء.

أتصور لو طلبت هيئة علمية مستقلة وموثقة ومعتبرة، من السلطات السعودية رسمياً تحليل عينة من ماء زمزم بإرسال علمائها شخصياً للحصول على عينة من مصدرها وتحليلها، فماذا ستكون ردة فعل السلطات السعودية؟

أهلاً وسهلاً بكم أيها العلماء المستقلون الغير منحازون للإسلام، تفضلوا وافحصوا وحللوا مائنا المقدس. ولكن إذا وجدتوه مسرطن، نرجوا منكم التكتم عليه لكي لا تكذب أحاديث أشرف الأنبياء والمرسلين؟؟؟

لا تجعلني أضحك.

أما لماذا لم يتضرر ملايين البشر ممن يشربون ماء زمزم، فسؤالي هو: كيف عرفت أنه لم يتضرر أحد؟ أرنا لو سمحت تقرير خارجي غير منحاز يثبت ذلك.

خالص تحياتي

Ensan يقول...

حتى الأبحاث العلمية بها أخطاء وانحياز، فما بالك التقارير الصحفية!

والبي بي سي الإنجليزية تشير إلى أن التقرير يتعلق بما هو موجود في بعض البقالات في لندن، وليس ما يؤتى به من المصدر.

فإذن "جاء على هواي فاعجبني فصدقته". ههه.

تحياتي...

basees@bloggspot.com يقول...

الأخ الكريم إنسان ،،

نفس ردي على ابورامي ينطبق على تعليقك، ولكني اضيف هذا:

البي بي سي هيئة إعلامية مستقلة لاتخضع لضغوط سياسية إنحيازية. هذه الهيئة تتبع سياسة حيادية منذ نشأتها، والتقارير التي تنشرها تخضع لرقابة إدارية لتأمين هذه الحيادية قبل نشر أي موضوع. هي ليست قناة الجزيرة الكاذبة، التي تعودتوا عليها.

نشرت البي بي سي تقرير تزعم فيه أن مياه زمزم ملوثة ومسرطنة. فلكي يدحض هذا المزعم (المدعم بتحليل علمي للمياه) على المسلمين، من هيئات أو أفراد، القيام بتحليل علمي آخر مستقل ومفتوح، لايخضع لأي ضغوط أو مرتبط بأي مصالح، لكي نعرف ما إذا كانت هذه المياه ملوثة أم لا.

فلماذا لا تسمح السلطات السعودية بإجراء مثل هذ الفحوصات المستقلة البسيطة جداً على زمزم؟ هل هناك ما تعرفه وتخاف من نشره؟

في غياب تحليل مستقل مخالف، يظل تقرير البي بي سي بتلوث مياه زمزم وسرطنته قائم، وأي إستهلاك بشري له من قبل المسلمين الموهومين بنظافته سيمثل خطراً جسيماً على صحتهم.

خالص تحياتي