الجمعة، 19 نوفمبر 2010

دفاع النملة عن المارد إهانة

::

حكى لي أحد الأصدقاء مرة كيف تعرض لموقف محرج مع ولده الصغير الذي لم يتعدى آنذاك الثامنة من عمره. يقول صديقي:

كان إبني حاضراً معي في مجلس لبعض الأهل والمعارف (ديوانية في المصطلح الخليجي) عندما نشب شجار حاد بيني وبين أحد الحضور شتمني فيه. فسكتّ ترفعاً منّي عن الدخول في مباراة بينج بونج للسباب بيني وبينه تنهدر فيها الكرامات وقد تتصاعد إلى ماهو أسوء. ولكني صعقت عندما نهض إبني الصغير الجالس بجانبي إثر سماعه لشتمي، ولعبة سيارة المطافي الحمراء التي كان للتو يلعب بها على السجادة لاتزال بيده، ليرد على خصمي بنفس شتيمته لي، ويكيل له الصاع صاعين بوابل إضافي من السباب وسط ذهول وضحك الحاضرين.

يضيف صديقي قائلاً:

لوهلة قصيرة، لم أعرف ماذا أفعل، فلم أتوقع من ولدي الصغير أن يفز للدفاع عني من إهانات الغير لي، وشعرت بإحراج شديد في ذلك الموقف لأني أظهرت للحاضرين، ولولدي بالخصوص، بذلك السكوت عجزاً غير مقصود للدفاع عن نفسي. فتداركت الوضع المحرج ونهرت إبني على قلة أدبه وتدخله في شؤون الكبار وأوضحت له أنني لم أحتاج إلى دفاعه عني، وأضطررت إلى الإعتذار بعدها ليس للحاضرين فقط إنما ماهو أسوء إلى خصمي البغيض الذي بدأ في شتيمتي.

دعوني أترك هذه القصة الآن لأضيف بعداً آخر للحوار، وسوف تدركون مغزاها عند قرائتكم لباقي الموضوع.

نشر موقع السي أن أن  قبل بضعة أيام خبر إصدار حكم قضائي في باكستان بإعدام إمرأة مسيحية بتهمة الإساءة إلى الذات الإلهية والنبي محمد بقولها لبعض النسوة المسلمات حسب ماورد في وثائق المحكمة أن:

"القرآن مزور، ورسولكم محمد مكث في فراش الموت لمدة شهر قبل وفاته، لأن الديدان كانت تملأ أذنيه وفمه، وقد تزوج من خديجة فقط بسبب مالها، وأنه بعدما تمكن من نهبها طردها خارج المنزل".

هناك عدة تساؤلات تمر بذهني عند مصادفتي لمثل هذه الأخبار، أهمها هو هذا:

في الكثير من الأحكام الجزائية في الدول الإسلامية، هناك بنود تعاقب، وتعاقب بقسوة شديدة تصل إلى الإعدام كما رأينا في قضية المرأة الباكستانية، على مايسمى بـ "جريمة التجديف"، أي الإساءة اللفظية إلى المقدسات، وبالخصوص الذات الإلهية أو الرسول. والسؤال هو:

مالذي يتخوف منه المشرع المتدين (وأقول المتدين وليس المسلم حصراً لأن عقوبة التجديف(1) لاتزال تطبق في بعض المجتمعات المسيحية أيضاً، بولندا كمثال) حين يشرع قوانين وحشية كهذه؟ هل هو الخوف من تفشي الفساد في المجتمع مثلاً؟ فإن كان هذا هو السبب فهو سبب واهي وساقط، لأن هناك مجتمعات أخرى لاتحترم المقدسات، أياً كانت، ولاتهتم بحرمتها ومع هذا فهي مجتمعات ناجحة، كما رأينا في نموذج الدنمارك وغيرها الكثير من الدول اللادينية الأخرى، إذ أن مستوى الفساد فيها أقل بكثير مما هو سائد في المجتمعات المؤمنة التي تطبق تلك العقوبات.

أما إن كان التشريع نابع عن تخوف من تزعزع إيمان المؤمن وإنجرافه عن دينه وبالتالي إنحداره إلى الزندقة والإلحاد إذا تم التقاضي عن الإستخفاف بمكونات عقيدته من كتب وأنبياء وملائكة وقداستها، فهذا يثير تساؤل: 

بصرف النظر عن أن الإلحاد بحد ذاته هو أحد الحريات التي كفلتها جميع مواثيق حقوق الإنسان فيما يخص إختيار الفرد للعقيدة، أو عدمها، وبصرف النظر أيضاً عن أنه ليس بعلة يُحتج بها لترويع الناس من أن تفشيها في المجتمع يؤدي إلى إنحلاله، لأن هذا الزعم نقضه الرخاء والإزدهار الذي تنعم فيه المجتمعات العلمانية الملحدة، إنما السؤال هو:

هل العقيدة الدينية بهذا الضعف والهشاشة التي تستلزم الحماية بهذه القوانين القمعية؟
هل هي من الهزل والرقة بحيث أن مجرد إدعاء أن القرآن كتاب مزيف مثلاً سوف يزعزع إيمان أفراد المجتمع بتلك العقيدة ويسبب تداعيها في أنفسهم بالرغم من أنهم تجرعوها مع حليب أمهاتهم ونشؤوا عليها وتجذرت في عقولهم؟
ألهذا السبب مثل هذا الإدعاء يمثل خطراً حقيقياً على هذه العقيدة يستحق معه القتل؟

في الحقيقة لاأرى تبرير آخر مقنع لمثل هذه العقوبات الوحشية القاسية في حق من أبدى رأياً مغايراً للمعتقد السائد، كقدسية القرآن، غير أن المشرع لهذه القوانين ومن يؤيده يعتقد فعلاً، ولو باطنياً، بأن العقيدة التي يستهدف القانون حفظها هي في الحقيقة في مستوى من الهشاشة التي تتطلب فرض عقوبات تصل إلى قتل كل من يطعن فيها. إذ لو كان المشرع يؤمن أيماناً تاماً بصلابة معتقده لما كان هناك أي تخوف من أي نقد لها، مهما كان شديداً، فهي سوف تصمد أمامه، أليس كذلك؟

أليست مدعمة بالحجة الإلهية الدامغة والسند الرباني؟ إذاً لماذا التخوف من نقدها وتشريع العقوبات الصارمة لمن يجرأ على ذلك؟

وفي حادثة آخرى مشابهة، قبضت سلطات الأمن الفلسطينة بالتعاون مع قوات المخابرات والنيابة العسكرية على شاب في الضفة الغربية بتهمة الإساءة أيضاً إلى الذات الإلهية بعد مراقبة له دامت عدة أسابيع. إذ ظهر أن هذا المتهم كان ينشر مقالات تجديفية مسيئة لله وللرسول في مدوناته العربية والإنجليزية وعلى صفحته في الفيسبوك. وقد يكون الدافع الأول الذي حث السلطات الفلسطينية في النيل منه بشتى الوسائل المتاحة هو زعمه بأنه الله!

حيث أن السلطات الفلسطينية لم تكتفي بقوات الأمن فقط في تعقب الشاب المدعي الألوهية ومراقبته والقبض عليه، بل كثّفت جميع الإمكانيات الأخرى المتاحة لها في ملاحقته باستدعاء قوات المخابرات والنيابة العسكرية أيضاً، لايملك الإنسان إلاّ التساؤل فيما إذا كانت السلطات الفلسطينية، وغيرها ممن ينتهج هذه الأساليب التعسفية، بتسخير كل تلك الإمكانيات وتكثيف كل تلك الأجهزة الأمنية في مطاردة شاب وحيد أعزب، تتخوف فعلاً من coup d'etat (قلب نظام حكم) يشنه هذا الكائن الضعيف على الإله بجبروته وجنوده في سمائه السابعة؟

أرجو أن يكون مغزى الحادثة التي ذكرتها في مقدمة المقال قد بدأ يتضح الآن.

هل الذات الإلهية التي تمسك الكون بقبضتها تحتاج إلى حماية البشر الذين لايمثلون إلاّ جزء تافه ضمن ذلك الكون .... والذي هو بمجراته ونجومه وكائناته في قبضة ذلك الإله يتصرف به كما يشاء؟
أليست هذه المحاولات الدفاعية البائسة إستخفاف بقدرة الإله وإهانة له؟
وعندما يدافع البشر عن الذات الإلهية ويعاقبون بالقتل كل من يسيئ إليها، فهم يدافعون عن ماذا بالضبط؟ كيف يكون للإله ذات أصلاً والذات شيئ، إنما القرآن يقول "ليس كمثله شيئ"؟
وهل من الممكن، على افتراض أن للإله شيئ إسمه ذات، شرح ماهو الضرر الذي سوف يصيب تلك الذات وكيف سوف يصيبها حين يسئ إليها أحد؟ هل سوف تنجرح مثلاً أو تنهار نفسياً إذا انتقدها أحد؟

لن تنجرح أو تنهار من أي شيئ، ناهيك عن مجرد إلقاء الكلام عليها، بل هذا الدفاع عن تلك "الذات الإلهية"، التي ليس لها تعريف ولاتعني شيئ، بالقتل المتعمد ماهو إلاّ محاولة وحشية بائسة يائسة للتعويض عن نقص في الذات البشرية، التي نعرف بالضبط ماهي، والتي تسعى لأن تحمي ضعفها وتسد ثغرات جهلها وتأمن من خوفها في صراعها ضد جبروت الطبيعة التي لاتفهمها ولاتستطيع ضبط قسوتها، فالزلازل والبراكين والأعاصير والأوبئة لاتزال تحصد البشر بالملايين وليس للإنسان سبيل إلى منعها أو التحكم فيها، وكل مايصدر عنها من دمار يُعامل بسبب ذلك الضعف كغضب من الآلهة. وهذا القتل المتعمد لبني جنسهم بإسم آلهتم ماهو إلى إمتداد لطقوس ومراسيم دموية نابعة عن جهل، مارسها البشر طوال التاريخ ولايزالوا للأسف إلى اليوم يقدمونها كأضحيات وقرابين لاسترضاء تلك الطبيعة وإخماد غضبها.

والمشكلة التي تعاني منها أممنا المتخلفة علماً وتشريعاً هي ثقافتها العلمية الإنتقائية الناقصة، فهي تأخذ ماتشتهيه من العلوم ومنهاجها وترفض مالاتستسيغه منها. وطالما استمرت هذه الإنتقائية العوراء للعلم والمعرفة، فسوف يستمر معها جهلها، وكلما أستمر جهلها كلما إستمرت في طقوسها البدائية في إصطياد الضحايا البشرية وتقديمهم كقرابين على مذابح الحريات لتجنب غضب الطبيعة.


(1) ماهو قانون التجديف؟

التجديف (بالإنجليزية: Blasphemy‏) هو مايعتبر في الأوساط الدينية بأنه إسائة، وذلك بواسطة السب أو الإنتقاد أو حتى عدم اظهار تقدير أو احترام لشخصيات مقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية. وفي الديانات الإبراهيمية الإدانة بالتجديف قد تكون بالغة الشدة. كما أن بعض البلدان مثل باكستان تشرع قوانين تعاقب على تهمة التجديف، في حين أن بلداناً أخرى تمنح اللجوء لأشخاص وجهت إليهم تلك التهمة في بلدانهم. وقد تستخدم بعض البلدان قوانين التجديف لإدانة أشخاص يختلفون مع الأغلبية أو أشخاص منشقين عن طائفة أو دين معين، وتعتبر البلدان التي تتبنى ديناً رسمياً في دساتيرها هي أكثر المعاقبين باستخدام قوانين التجديف. (التعريف من ويكيبيديا)
من هو وليد الحسيني؟ لماذا قبض على وليد الحسيني؟ أين وليد الحسيني؟ هل وليد الجسيني ملحد؟ هل وليد الحسيني مسلم؟ مااسم مدونة وليد الحسيني؟ هل وليد الحسيني مرتد؟ ماذا حدث لوليد الحسنيني؟ هل وليد الحسيني مسيحي؟ هل رجع وليد الحسيني إلى الإسلام؟ هل هل عاد وليد الحسيني إلى الإسلام؟

هناك 10 تعليقات:

Duo يقول...

عرض ممتاز ..
حين كنت مسلم , كان مجرد سماع أبسط إهانة لله ينتفض لها قلبي (مجازا) ويقشعر لها جسدي :)
ولكن لماذا يشعر المؤمن بالغضب إذا مست مقدساته بسوء ؟
لأن تلك الإهانة تكشف الوهم الذي يريد أن يستمر فيه بدون محاولة معرفة الحقيقة.
في الأغلب يهرب المؤمن من مواجهة حقيقة زيف دينه لأنه يرغب في ملاذ آمن في هذه الحياة.
لذا حين تهدم له ما يؤمن به , فأنت تعرضه للخطر النفسي , وهذا يستثير دفاعاته النفسية لأقصى حد.
أرى أنه كما أن إهانة المقدسات وسيلة ضرورية لتبيين زيف الأديان لمعتنقيها فلابد أن يقوم العقلانيون بتبيين زيف الأديان عن طريق التشكيك البطيء المستمر , فهذه الوسيلة لا تثير دفاعات المؤمن النفسية بشكل مباشر , بينما تزيل غشاوة الاعتقاد بالتدريج.
تحياتي لك.

panadool يقول...

رائع رائع يابصيص

نمووول يقول...

مقال رائع
في الحقيقة لا اعرف ماهو السبب الرئيسي لكن اعتقد ان ارتباط العاطفة بالدين هو احد الاسباب

والمشكلة الاخيرة بتودينا بداهيه
يقولك بعضهم التنويم المغناطيسي حرام وبعد قريت مرة ان حرام العلاج بنظرية التحليل النفسي لان صاحبها يهودي والصحيح ان فرويد ملحد

صباح الخير ,,

Um il sa3af wil leef يقول...

هل الذات الإلهية التي تمسك الكون بقبضتها تحتاج إلى حماية البشر الذين لايمثلون إلاّ جزء تافه ضمن ذلك الكون .... والذي هو بمجراته ونجومه وكائناته في قبضة ذلك الإله يتصرف به كما يشاء؟

والاجابه كانت لكل التساؤلات عنوان البوست

بصراحه ، مبدع دائما

Godless يقول...

هو إله ضعيف لانه اله من خلق الانسان. فكل دين خلق مؤسسيه اله على صورتهم يخيفو الناس فيه ويطيعوه. عندما خلق صلعم الهة المسلمين جعلها الهة غيورة و تحب القتال في سبيلها أي -في سبيل محمد- كل شئ واضح اوضح من الشمس لكن يستمر الدينيين في إيهام انفسهم بأن كل شئ ورائه مغزى او حقيقة اخرى.

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي طالب ،،

تحليلك صحيح وجوهري، إذ أن من الصعوبة على الإنسان على أي حال أن يقبل بنقد أي معتقدات نشأ عليها من صغره وتجذرت في تفكيره، حتى لو لم تكن دينية. ولكن هناك عدة عوامل، تفضلت بذكر بعضها، تجعل المعتقدات الدينية على الخصوص حساسة للغاية، ترفض النقد أو المساس، ومفهوم القدسية هو السبب ولب المشكلة في تلك الحساسية المفرطة التي تمتد في بعض العقائد لتشمل حتى مصنوعات رخيصة كالصليب مثلاً والذي يعامل عند المسيحيين كرمز مقدس تثير إهانته الغضب عند المؤمن به.

أسعدني ياعزيزي إستحسانك للموضوع
ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي باندول ،،

وأنت أروع ياعزيزي ..
شكراً لك ..
ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي نمول ،،

الحجج والبراهين التي تأتي بها الأديان متهافتة وتنافي العلم والمنطق ولذلك فهي تعتمد حتماً على إثارة العواطف كأحد الوسائل الفعالة لاستدراج الناس والسيطرة عليهم، ومنهج الجزرة والعصا المتبع هو دليل واضح على هذا الأسلوب.

أما عن فتوى تحريم التحليل النفسي فلو عرفوا أن فرويد يجمع مابين اليهودية كعرق والإلحاد كقناعة لجعلوها مشددة يستوجب ممارسها العقاب.

سرني إعجابك للموضوع ياعزيزي
ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي أم السعف والليف ،،

الإنجراف العاطفي للمؤمن نحو مايعتبره مقدس، يغيب عليه أبسط الملاحظات المنطقية التي لو تأنى قليلاً لرأى حقيقتها. والمثال الذي اقتبستيه مشكورة من المقالة ماهو إلاّ مثال صغير من أمثلة كثيرة على هذا التغيب.

شكراً لك ياعزتي على الإطراء
ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي Godless ،،

الكثير من مقومات الأديان تعكس، كما تعرف، تراث وعادات المجتمع التي برزت فيه، وحيث أن الدين الإسلامي ظهر في بيئة قبلية لها تراث قبلي طويل منه في الغزوات والقتال، فالدين الجديد لم يخرج عن هذا الإطار القبلي وعاداته. ولكن المؤلم أن مؤمن اليوم لايزال متمسك بنفس تلك العادات الشرسة القديمة التي لاتجد لها الآن أي قبول في المجتمعات المتحضرة التي تعتنق أي من مفاهيمنا الإنسانية.

ولك تحياتي